الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.الخبر عن الدولة المستجدة للتركمان في شمال بلاد الروم إلى خليج القسطنطينية وما وراءه لبني عثمان وإخوته. قد تقدم لنا في أنساب العالم ذكر هؤلاك التركمان وإنهم من ولد يافث بن نوح أي من توغرما بن كومر يافث كذا وقع في التوراة وذكر الفيومي من علماء بني إسرائيل ونسابتهم أن توغرماهم الخرز وأن الخزر هم التركمان أخوة الترك ومواطنهم فيما وجدناه من بحر طبرستان ويسمى بحر الخزر إلى جو في القسطنطينية وشرقها إلى ديار بكر وبعد إنقراض العرب والأرمن ملكوا نواحي الفرات من أوله إلى مصبه في دجلة وهم شعوب متفرقون وأحياء مختلفون لا يحصرهم الضبط ولا يحويهم العد وكان منهم ببلاد الروم وجموع مستكثرة كان ملوكها يستكثرون بهم في حروبهم مع أعدائهم وكان كبيرهم فيها لعهد المائة الرابعة جق وكانت أحياؤهم متوافرة وأعدادهم متكاثرة ولما ملك سليمان بن قطلمش قولية بعد أبيه وفتح أنطاكية سنة سبع وسبعين من يد الروم طالبه مسلم بن قريش بما كان له على الروم فيها من الجزية فأنف من ذلك وحدثت بينهما الفتنة وجمع قريش العرب والتركمان مع أميرهم جق وسار إلى حرب سليمان بانطاكية فلما التقيا مال التركمان إلى سليمان لعصبية الترك وانهزم مسلم بن قريش وقتل وأقام أولئك التركمان ببلاد لروم أيام بني قطلمش موطنين بالجبال والسواحل ولما ملك التتر ببلاد الروم وأبقوا على بني قطمش ملكهم وولوا ركن الدولة قليج أرسلان بعد أن غلب أخوه عز الدين كيكاوس وهرب إلى القسطنطينية وكان أمراء هؤلاء التركمان يومئذ محمد بك وأخاه الياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج والظاهر أنهم من بني جق فانتقضوا على ركن الدولة وبعثوا إلى هلاكو بطاعتهم وتقرير الأثر عليهم وأن يبعث إليهم باللواء على العادة وأن يبعث شحنة من التتر يختص بهم فأسعفهم بذلك وقلدهم وهم من يومئذ ملوك بها ثم أرسل هلاكو إلى محمد بك الأمير يستدعيه فامتنع من المسير إليه واعتذر فأوعز هلاكو إلى الشحنة الذي ببلاد الروم إلى السلطان قليج أرسلان بمحاربته فساروا إليه وحاربوه ونزع عنه صهره علي بك ووقد على هلاكو فقدمه مكان محمد صهره ولقي محمد العساكر فانهزم وأبعد في المفر ثم جاء إلى قليج أرسلان مستامنا فأمنه وسار معه إلى قونية فقتله واستقر صهره علي بك أميرا على التركمان وفتحت عساكر التتر نوزاحي بلاد الروم إلى اسطنبول والظاهر أن بني عثمان ملوكهم لهذا العهد من أعقاب علي بك أو أقاربه يشهد بذلك إتصال هذه الإمارة فيهم مده هذه المائة سنة ولما اضحمل أمر التتر من بلاد الروم واستقر بنو ارتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء التركمان على ما وراء الدروب إلى خليج القسطنطينية ونزل ملكهم مدينة برصا من تلك الناحية وكان يسمى أورخان بن عثمان جق فاتخذها دارا لملكهم ولم يفارق الخيام إلى القصور وإنما ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها وولي بعده ابنه مراد بك وتوغل في بلاد النصرانية وراء الخليج وافتتح بلادهم إلى قريب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصار أكثرهم ذمة ورعايا وعاث في بلاد الصقالية بما لم يعهد لمن قبله وأحاط بالقسطنطينية من جميع نواحيها حتى اعتقل ملكها من أعقاب لشكري وطلب منه الذمة وأعطاه الجزية ولم يزل على جهاد أمم النصرانية وراءه إلى أن قتله الصقالبة في حروبه معهم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وولي بعده ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد وقد استفحل ملكهم واستنجدت بالغز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من انطاكية والعلايا بجبال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود أرمينية وجدهم هو الذي هزم أوشين بن ليعون ملك سيس من الأرض من الأرمن سنة عشرين وسبعمائة ثم كان بين بني عثمان جق وبين بني قرمان إتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم وفتح سائر البلاد ولم يبق له إلا سيواس بلد بني ارتنا في استبداد القاضي الذي عليها وما أدرى ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بني جفطاي بن جنكزخان وملك ابن عثمان لهذا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدة عزيزة على تلك الأمم والأحياء والله غالب على أمره وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الأمم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الإسلامية شرقا وغربا لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجبل الناشيء بعد انقراض اللسان المضري ودروسه ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث من الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب إن شاء الله تعالى والله ولي العون والتوفيق بمنه وكرمه.
|